المقاومة تزلزل أركان الكيان !!
بقلم : الدكتور محمد سيد احمد الجورنالجياستيقظت فجر الأحد على صوت الآذان، وهممت بالوضوء لصلاة الفجر كالعادة، وبعد الصلاة مباشرة كنت أستعد لكتابة مقالي الأسبوعي، والذي أختار موضوعه بعناية، ودائما ما تكون بوصلة الاختيار مرتبطة بفقه الأولويات، وفقه الأولويات يحدد أهمية الموضوع، وبالطبع ومنذ اندلاع عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، والقضية الفلسطينية هي الشغل الشاغل لكل قومي عربي مقاوم، وأحسب نفسي كذلك، لذلك تأتي أبرز الأحداث حول غزة ضمن الموضوع الذي حددته للكتابة، وكان الموضوع الذي شغل بالي طوال الأسبوع وحشدت نفسي للكتابة عنه، هو العجز الروسي والصيني في وقف العدوان الأمريكي والصهيوني على غزة.
وقولت لنفسي إذا كانت روسيا والصين يسعيان كما يعلنا منذ سنوات لتشكيل خريطة دولية جديدة متعددة الأقطاب، وحين أسسوا مجموعة دول البريكس أكدوا على أنها بداية لخلق ثنائية قطبية بعيداً عن الهيمنة الأمريكية والأحادية القطبية، وبالطبع كان من بين خطابهم المعلن نصرة الشعوب والدول التي تقف في وجه الطغيان الأمريكي، وخلال العقد الأخير شاهدنا صراع دولي طاحن بين روسيا والصين من جانب والولايات المتحدة الأمريكية من جانب آخر، وكانت الحرب الروسية- الأوكرانية خير شاهد وخير دليل، ومن قبلها كانت الحرب الكونية على سورية والتي دخلتها روسيا بكل قوتها، وحين دقت طبول الحرب في غزة تعالت الأصوات الروسية - الصينية لدعم الشعب الفلسطيني وإدانة العدوان الصهيوني، ولكن على مدار الشهور الماضية والتي اقتربت من العام لم نشهد موقف حاسم وحقيقي من روسيا والصين لوقف العدوان الصهيوني الغاشم على غزة، وهو ما يعني تراجع دورهما الصاعد على الخريطة الدولية متعددة الأقطاب، وترسيخاً لدور الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد بيده وحده وقف هذا العدوان.
وأثناء التجهيز لكتابة المقال كنت قد قمت بفتح التلفاز لمتابعة أخر الأخبار، وكانت المفاجأة المدوية التي جعلتني أقوم بتغيير موضوع المقال، هو قيام المقاومة اللبنانية البطلة والشجاعة بالرد على اغتيال العدو الصهيوني للقائد الجهادي الشهيد فؤاد شكر، وبالطبع جاء الرد مدوياً، ٣٤٠ صاروخ تنطلق لتفسح المجال لمرور المسيرات مخترقة القبة الحديدية الصهيونية لتصل إلى العمق الصهيوني وتصيب أهداف عسكرية محددة، وبالطبع أرتبك العدو الصهيوني ولم يستطع إنكار الضربة كما يفعل دائما وخرجت وسائل إعلامه لتؤكد أن الضربة كبيرة ومؤثرة وتناقضت البيانات والمعلومات كالعادة.
وتم استدعائي للقراءة والتحليل على عدة منابر إعلامية، وخلال ذلك كنت أتابع كل ما ينشر من ردود أفعال، وكان الإعلام العربي أقرب لعدم التصديق، وكان كالعادة أكثر تصديقاً للسردية الصهيونية التي تقول أن العدو اكتشف عملية حزب الله وقام بعملية استباقية أجهضت عملية المقاومة، رغم إعلان الإعلام العبري لقوة الضربة والتي ترتبت عليها شل الحركة وتوقف الحياة بالداخل الصهيوني، وهرع المستوطنون إلى الملاجئ، وأعلن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء العدو الصهيوني حالة الطوارئ لمدة ٤٨ ساعة، وهو ما يعني أن الحدث جلل، وبالطبع أعلنت المقاومة أن سماحة السيد حسن نصر الله سوف يخرج اليوم للحديث في تمام الساعة السادسة مساء، وبالطبع حبست الأنفاس، ومرت الساعات ثقيلة فالعالم أجمع ينتظر كلمة سماحة السيد، والكل يثق فيما سوف يقوله ليس فقط جمهور المقاومة، بل حتى المستوطنون الصهاينة بالداخل، الذين فقدوا الثقة في قياداتهم السياسية والعسكرية، وأصبحوا ينتظرون كلمة سماحة السيد ليتعرفوا على حقيقة ما حدث.
وأثناء الانتظار كان هناك ظهوراً أخر للسيد الرئيس بشار الأسد الذي ألقى كلمة هامة أمام مجلس الشعب السوري الجديد، وأهم ما جاء بالكلمة هو تأكيده على الثوابت العربية السورية وإنهاء حالة اللغط التي انتشرت في الأيام الماضية حول موقف سورية من تركيا، حيث أشار سيادته " نحن لم نحتل أراضي بلد جار لننسحب، ولم ندعم الإرهاب كي نتوقف عن الدعم، والحل هو المصارحة وتحديد موقع الخلل لا المكابرة، إن استعادة العلاقة مع تركيا تتطلب إزالة الأسباب التي أدت إلى تدميرها، ونحن لن نتنازل عن أي حق من حقوقنا تحت أي ظرف من الظروف، إن خطواتنا المقبلة سيكون أساسها السيادة، وعنوانها السيادة، ومعيارها السيادة"، وأشار كذلك " أن أبناء الجولان السوري المحتل قدموا لنا الكثير من العبر فبرهنوا أن غياب السيادة عن أرضهم لا يعني سقوط الوطنية من وجدانهم" واختتم كلامه بتوجيه التحية " للمقاومين في فلسطين ولبنان والعراق واليمن فهم قدوة وأنموذج ومثال نقتدي به في طريق التحرير والكرامة والشرف والاستقلال الناجز".
وعند الساعة السادسة كانت إطلالة سماحة السيد التي ينتظرها العالم أجمع ويمكن تحديد أهم ما جاء بها من وجهة نظرنا بإشارة سماحته "بأن التأخير في الرد كان لأسباب عديدة فالعجلة كان يمكن أن تؤدي للفشل، والتأخير في الرد هو عقاب لإسرائيل، وتأجيل الرد كان لإعطاء مفاوضات التهدئة الخاصة بقطاع غزة الفرصة الكافية، اخترنا الرد لوحدنا لاعتبارات لا يمكن البوح بها، وكل طرف من المحور سيقوم برده الخاص، لا مصلحة لنا في تأخير الرد أكثر لاعتبارات تتعلق بالمقاومة والوضع في لبنان والمنطقة"، وأشار كذلك فيما يتعلق بالعملية "فضلنا تجنب استهداف المدنيين في إسرائيل لحماية المدنيين في لبنان، وقررنا أن تكون أهدافنا عسكرية قرب تل أبيب مثل قواعد مخابرات أو قوات الجيش ولا تتعلق بالبنية التحتية، وفي نهاية دراستنا حددنا هدفاً أساسياً للعملية وهو قاعدة غليلوت وهي قاعدة مخابرات أساسية قريبة من تل أبيب، واخترنا أيضا استهداف عدد من الثكنات والمواقع والقواعد شمالي فلسطين المحتلة والجولان، أطلقنا ٣٤٠ صاروخ كاتيوشا لتشتيت القبة الحديدية وغيرها من الدفاعات لإتاحة المجال للمسيرات لدخول المجال الجوي الإسرائيلي، ونجحت العملية في الوصول لأهدافها المحددة"، وفيما يتعلق بالسردية الصهيونية أكد سماحته "صحيح أن إسرائيل بدأت هجومها قبل نصف ساعة من هجومنا لكن ذلك ليس لأن لديها معلومات استخبارية بل لأنها لاحظت تحركات عناصرنا، وكل الهجوم الإسرائيلي جاء لمواقع خالية أو تم اخلاؤها من صواريخنا الاستراتيجية، وكل الهجوم جاء بعيداً عن العملية التي تمت بنجاح، لم نكن ننوي استخدام صواريخ دقيقة التوجيه اليوم لكننا قد نستخدمها في المستقبل القريب، سنقيم نتائج عمليتنا لنرى إن كان ردنا اليوم على اغتيال القائد الجهادي السيد فؤاد شكر كافياً أو لا".
ويتضح من حديث سماحة السيد حسن نصر الله أن المقاومة اللبنانية البطلة والشجاعة تمتلك قدرات على تحدي العدو الصهيوني، وأن المقاومة قادرة على زلزلة أركان الكيان المحتل، الذي هو أوهن من بيت العنكبوت، وبالطبع تحمل عملية يوم الأربعين وحديث سماحة السيد حسن نصر الله رسائل سياسية هامة للعدو الصهيوني إذا ما فكر في توسيع دائرة الحرب، وإذا لم يتوقف عن العدوان على غزة، والرسائل أيضاً موجهة للعدو الأمريكي الوحيد الذي يملك القدرة على وقف المجازر الهمجية التي يرتكبها بنيامين نتنياهو لكنه لازال يدعمه، لذلك إذا أراد الأمريكي والصهيوني إنهاء عمليات المقاومة على كافة جبهات الإسناد فليتوقف فوراً عن العدوان على غزة، وتفعيل الحل التفاوضي، اللهم بلغت اللهم فاشهد.